الحديث العاشر عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صليالله عليه وسلم :( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمرالمؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى :{ يا أيها الرسل كلوا منالطيبات واعملوا صالحا } ، وقال تعالى :{ يا أيها الذين امنوا كلوا منطيبات ما رزقناكم } ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلىالسماء : يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذيبالحرام فأنى يستجاب له ؟ رواه مسلم أهمية الحديث: هذا الحديث من الأحاديث التي عليها قواعد الإسلام ومباني الأحكام،
وعليه العمدة في تناول الحلال وتجنب الحرام، وما أعمَّ نفعه وأعظمه في
إيجاد المجتمع المؤمن الذي يحبُّ فيه الفرد لأخيه ما يحب لنفسه، يكره
لأخيه ما يكره لنفسه، ويقف عند حدود الشرع مكتفياً بالحلال المبارك الطيب،
فيحيا هو وغيره في طمأنينة ورخاء
[1] معنى الطيبالطيب هنا بمعنى: الطاهر النظيف، والله تعالى طاهر مُنزَّه مقدَّس، إنه تعالى مُتصف بكل كمال، مُنزَّه عن كل نقص وعيب.
الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، فهو لا يقبل من الأعمال إلا طيبًا، ولا
يقبل من الأقوال إلا طيبًا، ولا يقبل من العقائد إلا طيبًا، ولا يقبل من
الخلق عنده إلا طيبًا.
الكلمة الخبيثة لا تقبل عند الله، والعمل الخبيث لا يقبل عند الله،
والإنسان الخبيث لا يقبل عند الله ... وكل هذه الأشياء تنقسم إلى طيب
وخبيث ... {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ
كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة:100]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ
رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ
اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}
[إبراهيم:24-26].
الكلمة الطيبة تُقبل عند الله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]، والإنسان الطيب مقبول عند
الله، والإنسان الخبيث مرفوض مكروه من الله، لا يدخل الجنة إلا طيب،
{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ
عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32]،
هنالك يدخل عليهم خَزَنة الجنة محيين مكرمين قائلين: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ
طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73]. أما ذو القلب الخبيث،
والعمل الخبيث، والاعتقاد الخبيث؛ فهيهات هيهات أن يَرِد ماء الجنة، أو
يأكل من ثمارها، لا بد أن يُطيب قلبه ويطهره، إما بماء الدموع والتوبة في
الدنيا، وإما بنار الآخرة ...
[2] المعنى العام: الطيب المقبول: يشمل الأعمال والأموال والأقوال والاعتقادات:
فهو سبحانه وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها كالرياء والعجب.
ولا يقبل من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً.
ولا يصعد إليه من الكلام إلا ما كان طيباً، قال الله تعالى: {إِلَيْهِ
يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:
10].
والمؤمن كله طيب قلبه ولسانه وجسده بما يسكن في قلبه من الإيمان،
وظهر على لسانه من الذكر، وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة التي هي ثمرة
الإيمان.
كيف يكون العمل مقبولاً طيباً: إن من أعظم ما يجعل عمل المؤمن طيباً
مقبولاً طِيْبُ مَطْعَمِه وحِلّهِ، وفي الحديث دليل على أن العمل لا يُقبل
إلا بأكل الحلال، وأن الحرام يُفسد العمل ويمنع قَبوله.
وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال الله تعالى: {يا
أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً} وقال الله تعالى: {يا أيها
الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} . ومعنى هذا أن الرسل وأممهم
مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح.
"لا يقبل إلا طيباً" فالمقصود هنا نفي الكمال المستوجب للأجر والثواب
في هذه الأعمال، مع أنها مقبولة من حيث سقوط الفرض بها من الذمة.
كيف يخرج المسلم من الحرام: يتخلص المسلم من المال الحرام بعد العجز عن معرفة صاحبه أو العثور عليه بالتصدق به، والأجر لمالكه
[1] أسباب إجابة الدعاء:إطالة السفر: ومجرد السفر يقتضي إجابة الدعاء، فقد روى أبو
داود وابن ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر،
ودعوة الوالد لولده". والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء.
مد اليدين إلى السماء: وهو من آداب الدعاء، روى الإمام أحمد
عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى حَيِيٌّ كريم، يستحي إذا رفع
الرجلُ إليه يديه أن يَرُدَّهما صفراً خائبتين".
الإلحاح على الله عز وجل: وذلك بتكرير ذكر ربوبيته سبحانه وتعالى
[1] من موانع الإجابة:لا بد من أجل حصول الشيء أن تتهيَّأ أسبابه، وتزول موانعه، وهنا مانع منع
الإجابة ... وهذا المانع أنه يعيش من الحرام، وحياته مملوءة بالحرام ...
متوسع في الحرام ... أكلاً وشربًا ولبسًا وتغذيةً، كله حرام في حرام ...
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مأكله حرام، ومشربه حرام، وملبسه
حرام، وغُذِّيَ بالحرام، فكيف يستجيب الله له؟؟".
إننا إذا عرفنا ذلك -أيها المسلمون- عرفنا لماذا ندعو فلا يستجاب لنا؟
لأننا -كما روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم- لا نبالى أن نأكل
الحرام في هذا الزمن، ولا يهم الواحد منا أحرامًا كان كسبه أم حلالاً ؟
اسمعوا ما ورد في الحديث: "يأتي على الناس زمان لا يبالى المرءُ ما أخذ،
أمن الحلال أم من الحرام؟"رواه البخاري والنسائي.
وقد كان السلف يدققون من أين هذه اللقمة؟ ومن أين هذا الدرهم،؟ ومن أين هذا الدينار؟! فلا يقبل لنفسه إلا ما كان حلالاً زلالاً.
أما نحن فنأخذ من كل ما هبَّ ودبَّ، ولا نبالي أكان هذا من الحلال أم كان من الحرام؟
والله تعالى لا يقبل من عبادٍ ارتكبوا الحرام، وانتهكوا الحرمات، واقترفوا الموبقات، وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف،
ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا منه، ثم تدعون
فلا يستجاب لكم"[13]. وفي رواية: "والذي نفسه بيده لتأمرنَّ بالمعروف،
ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليسلطنَّ الله عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا
يستجاب لكم" رواه أحمد
حتى الخيِّرون رفضت دعواتهم، لأن الفساد قد عمَّ، والخبث قد طمَّ، والشر
قد انتشر ... {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25].
فلا بدَّ أن نرجع إلى الله، وأن نُطهِّر القلوب، وأن نُطهِّر المكاسب، وأن
نعيش بالحلال، ونقنع بالقليل من الحلال، خير من الكثير من الحرام، فإن ما
قلَّ وكفى، خير مما كثُر وكان أصله من حرام.
إذا فعلنا ذلك، فإن الله أهل لأن يجيب دعواتنا، وإلا فهيهات هيهات أن
يستجيب الله لنا دعاء، مهما ألمَّت بنا المُلمَّات، وأحاطت بنا
المُدلهمَّات.
نحن ندعو الإله في كل كربٍ **** ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابة لدعــاءٍ **** قد سددنا طريقها بالذنوب؟؟
[2] مصدرا الموضوع:
[1] الموسوعة الاسلامية المعاصرة - بتصرف [2] موقع الدكتور القرضاوي- بتصرف