اقبل علينا الصيف بوقته وفراغه وحره وشدته .. ومن فضل الله تعالى علينا تنوع الفصول والأحوال .. والظروف والواجبات .. قال تعالى :- ( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ ) سورة النور: 40 .. ولولا هذا التقلب والاختلاف لأصابنا الملل والضجر .. فالتنوع والتغيير من سنن ربنا الكريم حتى نراه في العبادات نفسها ما بين صلاة وزكاة .. وركوع وسجود .. ومالية وبدنية .
· قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :- (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) رواه البخاري
· وقال أيضاً :- ( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند الله حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيمَ أفناه؟ .. وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ .. وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ .. وماذا عمل فيمَ علم؟(.رواه الترمذي
· وقال - عليه أفضل الصلاة والتسليم - : ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك .. وغناك قبل فقرك .. وفراغك قبل شغلك .. وصحتك قبل سقمك .. وحياتك قبل موتك ) رواه الحاكم .
· وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ( إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً – فارغاً - لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة ) ..
· وقال الحسن البصري - رحمه الله تعالى- : ( أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على وقته منه على درهمه ).
· نملك نحن العرب والمسلمون طاقات في أيدينا لا ندركها ولا نستثمرها الاستثمار الأمثل .. منها طاقة الفراغ ( العطلة الصيفية ) ..
فالإسلام جعل صاحب طاقتي الفراغ والصحة مغبون لأنه يملك وقتاً كافيا لينجز ما لا يستطيع أصحاب المشاغل فعله " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " .. فالعطلة الصيفية طاقة معطلة عند كثير من الناس فهو يقضيها دونما استفادة
· يقول ابن الجوزي " رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمن دفعاً عجيباً إن طال الليل فبحديث لا ينفع .. وإن طال النهار فبالنوم أو في الأسواق .. ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود "
· ومع لهيب الصيف نجد أن الإنتاجية لدى الفرد تتناسب تناسباً عكسياً مع درجة الحرارة .. فما أن تبدأ العطلة الصيفية إلا وتجد الفوضى تعم الأوقات وتهدر الغالي والنفيس من الأعمار بحجة الترفيه عن النفوس .. ولو دققنا وتفحصنا ما نقوم به لوجدنا أننا نقوم ببيات صيفي لا يمت للترفيه الإيجابي بشيء ..
فالإسلام حريص كل الحرص على الأوقات والأعمار .. ونبه على ذلك في مواضع كثيرة في الكتاب والسنة .. فينبغي علينا أن نحرص على إقامة السنة النبوية في أوقاتنا كما نطالب بها في كل حياتنا ..
· عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً .. فجعل لها نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون من الحر من سمومها ) متفق عليه .. فتذكر أخي شدة الحر في الصيف بشدة جهنم والعياذ بالله من ذلك كله .. فربط المشاهد الدنيوية بالآخرة ليزيد المرء إيماناً على إيمانه.
· وعلى الرغم من أن الإسلام أكد على الوقت وأهميته إلى أنه لم ينسَ حاجات الإنسان إلى الراحة والاستجمام والترويح عن النفس
فقد لَقِيَ أبو بكرٍ رضي الله عنه حنظلةَ الأُسيدي فقال لـه : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال : قلت : نافق حنظلة .. قال : سبحان الله ! ما تقول ؟! .. قال قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكِّرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأي عين فإذا خرجنا من عندِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضّيعاتِ فنسينا كثيراً . قال أبو بكر : فوالله إنا لنلقى مثل هذا .. قال حنظلة : فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلتُ : نافق حنظلة يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟! .. قال حنظلة .. قلت : يا رسول الله نكون عندك تذكرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضيعاتِ - نسينا كثيراً - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذِّكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعة . ثلاث مرات . رواه مسلم .
· ويقول ابن الجوزي رحمه الله: (ولقد رأيت الإنسان قد حُمّل من التكاليف أمورًا صعبة، ومن أثقل ما حُمّل مداراة النفس وتكليفها الصبر عما تحب وعلى ما تكره، فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس ) .